الشاعر محمود توفيق: الجَنَّةُ العذراء

الجَنَّةُ العذراء

الجَنَّةُ العذراء

أصَابَتْكَ من تِلكَ اللحاظِ سِهامُ..
ففى القلب وَجْدٌ لافِحٌ وهُيامُ
رَمَتْكَ..فألقَتْ فى فؤادِكِ جَذوَةً
يَشِبُّ لها بين الضلوعِ ضِرام
وقَدْ كُنتَ ودَّعْت الشبابَ بعَبرَةٍ
تفيضُ..وقَلبٍ دَبَّ فيه سِقام
فَهلْ بعدَ أنْ ولّى الشبابُ صَبابَةٌ
وهَلْ بَعدَ شَيْبِ العارضين غِرام!
ولكنَّها الأقدارُ تَرمى سِهامَها
وهيهاتَ أن تعصىَ القضاءَ سِهام!
***
تَبارَكَ من زانَ الوجودَ بحُسْنِها
فَحَلَّتْ عليه رَحْمَةٌ وسلام
كأنَّ شُعاعا من سَنى الفجرِ زاهياً
له منزلٌ من جيدها ومُقام
وفى وجْنَتَيها يمرحُ الحُسنُ والصِبَّا
ويسطعُ نورُ البدرِ وهو تمام
وعينانَ سُبحانَ الذى قد براهُما
هما الخُلْدُ..لو أنَّ الخلودَ يُرام
ترى الَجَّنةَ العَذراءَ حينَ تراهُما
فيعروكَ شَوْقٌ جارِفٌ وهُيام
وثَغْرٌ تعالى الله صَوَّرَ حُسنَهُ
وأبدعَ..فهو الساحِرُ البَسَّام
كَسَتْهُ الأقاحى نُورَها وعَبيرَها
ورَفَّ عليه نَرْجِسٌ وخُزام
كأن ثناياها قلادةٌ لُؤْلُؤٍ
وضِئٍ..عليها رَوْنَقٌ ونِظَام
وفى شَفتيها رِقَّة وبَشاشةُ
وأنفاسُ وردٍ عاطرٍ ومُدام
إذا سَكَتَتْ..فالصَمْتُ بَعْضُ دَلالهِا..
وإنْ نَطَقَتَ..زادَ الدَلالَ كلامُ!
حديُثٌ كمِثْلِ العِطرِ..والشَهْدِ والطِلا..
وَصوْتٌ..هو الإمتاعُ والإلهام
كما غَرَّدَتْ بين الرياضِ بَلابِلٌ
وأَنْشَدَ من فوقِ الغُصونِ يمام!
تَكَامَلَ فيها الحُسْنُ من كُلِّ جَانِبٍ
وَوَفَّاهُ قَدٌّ فاتِنٌ وقَوامُ
تَمَنَتْ غُضونُ البانِ بَعضَ اعتدالهِ
وهامتْ به الغُزلانُ والآرام
يزيدُ على الرُمْح الرشيقِ رشاقةً
وَينقُصُ عنهُ فى المَضَاءِ حُسام
إذا مامَشَتْ فَوْقَ الثَرى خِلْتَ أنها
على الَمْرجِ ظَبْىٌ شَادِنٌ ورِهَام
***
فَتِلْكَ التى أْضنَى فؤادَك حُبُّها
وقد أوْهَنَتَ منْ صَبرِكَ الأيَّامُ
ومَنْ عَشِقَ الُحسْنَ البديعَ وَصانَهُ
وصلَّى لباريهِ..فكيفَ يُلام!
فإن أحْسنَتْ..فالحُبُّ خيرٌ ورَحمةٌ
وأهلُ السجايا صادقون كِرام..
وإنْ ظَلَمَتْ..فاللُه يَغْفِرُ ذَنْبَها..
فإن دِماءَ العاشقين حرام!
وإنْ كُنتَ قد أوردتَ نفسَكَ حَتفَها..
وأوْدَت بْكَ الأشواقُ والأحلام..
فشكواكَ لله الذى فَطَر الهوى..
فدانتْ له الأرواحُ والأجسام
وأعطاكَ قلباً بالجَمالِ مُدَلَّهاً..
وأعطاكَ عيناً لاتكاد تنام!

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق