الشاعر محمود توفيق: رحيل البلبل

رحيل البلبل

رحيل البلبل

هذا هو النيلُ فانْهَلْ من مَواردهِ
وكفكفْ الدمعَ.. وأرحمْ قلبكَ العانى
وهذه مِصرُ قد أرخَتْ غدائرها
واستقبلتكَ بأشواقٍ وأشجان
تَلقى فتاها الذى شاقَتْهُ فتنتُها..
فأرسلَ الروحَ فى((أشواق إنسان))
تلقاك فى لوعة العشاق ساكبةً
دمعَ الجوى بين هطالٍ.. وهتان
كانت تُبثُكَ فوق البُعدِ لهفتها..
فاقطُفْ ثِمارَ الهوى من قُرِبْها الدانى!
***
فيِثارةُ الشِعرِ ناحتْ من فجيعتها..
ورَّبةُ الفَنَّ أجرتْ دمعَها القانى
فَمَنْ سِواكَ يفيضُ الشعرُ منسكباً
من قلبه..نبعَ أشواقٍ وألحان
ومَنْ يَرُدُّ القوافى بَعد غُربتها
ويبعثُ الروحَ فى نَظمٍ وأوزان
ومَنْ يَجوبُ رياضَ الفَنِّ مجتلياً
بدائع الروضِ من وردٍ وريحان
كأنه البلبلُ الغِرِّيدُ منطلقاً
على جَناحين مِنْ وجدٍ وحرمان!
***
يا بُلبُل الروضِ..ما للروضِ قد رَزَحتْ
أَفنانُه تحتَ أرزاءٍ وأحزان!
وما لأزهاره أودى الصقيعُ بها
فَصَوَّحَتْ فوق أعوادٍ وأغصان!
وما لأطيارِهِ عن أيكها رَحَلَتْ..
فأقفرَ الأيكُ من شدوٍ وتحنان!
كنا وكنتَ..وكان الروضُ مؤتِلقاً
بناضرٍ من بديع الحُسنِ فتان
وكانَ عِشْقُ الهوى والفَنِّ يَجمُعنا..
وليسَ كالعشقِ من زادٍ لفنان..
وفى الجوانحِ دواءٌ لا دواءَ له..
من حُبِّ مصرَ..ومن صَدٍ وهجران
تقسو علينا ونَشقَى فى مَحَبَّتها..
ونفتديها بقلبِ العاشقِ الحانى!
***
من لى بنَفحَةِ صَفوٍ من مَحَبَّتِنا
كأنها دفقةٌ من عِطرِ بُستان!
وبسمةٍ من شغافِ القلب قد بَرِئَتْ
بها المشاعرُ من زيِفٍ وبُهتان
ونظرةٍ كشعاعِ الشمسِ مشرقةً
عَلى الوجودِ بأضواءٍ وألوان
وبهجةٍ من حديثٍ لا يُماثله
فى حُسنْهِ نظمُ ياقوتٍ ومَرجان
كأنه الجدولُ الرقراقُ منسجماً..
أو نشوة الراحِ فى أعطافِ ظمآن!
***
يا صاحبى..وعَزيزُ الدَمع مُنسكبٌ
والقولُ ينبعُ من روحى ووجدانى..
بِمَنْ أماتك..لا أهلٌ ولا وطنٌ..
سوى مُحبيكَ من صَحبٍ وخِلاَن
الباذلينَ لكَ الوُدَّ الجميلَ وقدْ
نأتْ بكَ الدارُ عن أهلٍ وأوطان..
والعارفينَ لك القدرَ الجليلَ فإنْ
تخاذلَ الدهرُ..لم يرضوا بخُذلان..
ما خُنْتُ عهدَكَ يَوما..أو غَدرتُ بهِ
ولا تَخَلَّيتُ عن حُبِّى وعِرفانى
فأنتَ فى القلبِ شجوٌ لا يبارِحهُ
وأنتَ فى القلب أنتَ..النازِحُ الدانى!

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق