الشاعر محمود توفيق: الشمس الغارية

الشمس الغارية

الشمس الغاريه

رَحِيلُكَ..أَمْ شمسٌ من الأُفْق تَغْرُبُ...

وفَقْدُكَ...أمْ شَطْرٌ مِن القَلْبِ يَذْهَبُ!

أريحانةَ الدنيا وفيضَ جَمالها...

ونَفخَ شَذاها...والحبيبُ المُقَرَّب...

وأبهجُ من كانت به العينُ تَلتْقى...

وأمتَعُ مَنْ كانتْ لهُ الأُذنُ تَطْرَبُ

وألطَفُ منْ مَرِّ النَسيمِ إذا سَرَى

وأصْفَى من النبعِ الطَهُورِ وأعذَبُ!

أبكيكَ أمْ أبكى المُروءَةَ والنَدى

وروحاً كنَشْر المِسْكِ..بَلْ هى أطْيَب

كأنَّ سجاياكَ الكريمةَ روضَةٌ

جوانِبُها للناسِ ظِلٌّ ومَلْعَب

خَمَائلهُا الفيحاءُ تمتدُّ للذُرى
وأعْراقُها من مَنهلِ الحُبِّ تشرَب!
***
أَطَلاَّعَ أجواز الثنايا وقاهراً

مَخاطِرهَا..والفاتحُ المُتَوَثِّب!

وَروَّادَ آفاق الحياةِ وكاشِفاً

حَقائقَ تخفىِ عن سِواكَ وتُحجَب

وحَمَّالَ أثقالِ الهُموِم عن الورَى

وجِسمُك مُعْتَلُّ..وقَلبُكَ مُتْعَبُ

تُواجِهُ كَيْدَ المُغرِضين ونارَهُمْ..

وتُرمَى بَسهم الجاحِدينَ وتُضرَب

صَبوراً على الجُهّالِ تَرجُو صَلاحَهُمْ

وإن أنكروا الَحقَّ الصَريحَ وكذَّبوا

كما يَصبِرُ الطَوْدُ الجليلُ إذا عدا
عليهِ صَبِىُّ أحمقُ الطَبع مُغْضَب!
***
أفارسَ فرسانِ البيان ورافعاً

صُروحاً يحارُ اللُبُّ منها ويَعْجَبُ

روائِعَ فَنٍ ما تزالُ مُطِلَّةً

على الخُلد...لويُرجى الخلودُ ويُطلب

تبوأتَ عَرشَ الشِعرِ فارتِّد للصِبا

فأنتَ أميرُ الشِعرِ...والأُمُّ...والأُبُ!

حَدَائقَ من وَرْدِ الكلامِ غَرَسْتها

تفيضُ على الدنيا عبيراً وتسكب

خلَعْتَ عليه النُبْلَ لفظاً وغايةً

فصار له فى النبل شَرْعٌ ومَذهَب

إذا الشعر لم يُحْىِّ المكارمَ والعُلا

فلا خيرَ فيه حين يُروَى ويُكتب!

ووجهتَ للإسلام عيناً بصيرةً

تُفَتِّشُ فى آياتِه وتُنَقِّبُ

فتبدو لنا منه الفضيلةُ والهُدى

وتظهرُ آفاقٌ أجَلُّ وأرحب

وهبتَ له سُهدَ الليالى وجُهدَها

وَعزمَ شهيدٍ صَبُره ليسَ يَنضُب

تُريُد به وَجه الكريمِ وعَفْوَهُ

وترجوَبه وُدَّ النبىِّ وتَخْطُب
***
أيا صاحبى عَزَّ اللِقاءُ وشاقَنى

إليكَ حنينى والفؤادُ المُعَذَّب

وخاصمَ جَفْنَىَّ الكرى وكأننىِ

أبيتُ على نارِ الجَوَى أتقلَّب

كأنَّ بعينى ليلةً ضاعَ فّجْرُها

إذا لاحَ فيها كوكبٌ خَرَّ كوكب

أُنا جيكَ فى ليلِ السُهادِ ومُهجتى

بلوعتِها فى أدمُعى تتسرَّب

فإن تسكبْ العينُ العصِيَّةُ دمعَها

فكم كان لى منكَ الصديقُ المُحبَب

وكم كان لى منكَ الرفيقُ منُاضلاً ..

وكم كان لى منكَ الأنيسُ المُهذَّب

وكنتُ إذاَ عَزَّ النصيرُ أجارَنى

إلى كَنَفٍ مِنكَ الحَفِىُّ المُرَحِّبُ

***

حَنانيكَ ... هذا الشِعرُ ذوبُ مَشاعرٍ

يفيضُ بها الوُدُّ القديمُ المُجَرَّبُ

وحَقِكَ ما صاغَ اليَراعُ حُروفَهُ

ولكنها من مُهجتى تَتَصَبَب

يجيشُ بها بحرُ الصبابةِ والهوى

وأمواجُهُ تُملى علىَّ فأكْتُب

فإن يرَفَعْ الشِعرُ الرجالَ فإنهُّ

بذكرِكَ يعلو قَدرُه حين يُنْسَبُ

ولستُ به أبغى الفَخَارَ وإنما

لروحِكَ فى عَلياِئها أتَقَرَّبُ

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق