الشاعر محمود توفيق: الجَنَّة الضائعة

الجَنَّة الضائعة

الجَنَّة الضائعة

سلامٌ على قريتى الوادعة...

وسُقيا لأيامها الرائعةْ

على جَنّةٍ قد طواها الزمان ...

وأودى بأزهارها اليانعة

غَدَتْ شَبَحاً غارِقا فى الضباب ...

تُشَيّعُهُ المُقْلةُ الدامِعَة

على عالمٍ قد مضى ... لن يعود ...

سلامٌ على الجَنّة الضائعة !

***
لك اللهُ يا قريتى ... مادهاكِ ...

وماذا دهى البقعة الغاليةْ!

تغيَّرَ ما فيك .. حتى الوجوهُ

تُجَلِلُها صُفْرَةٌ كابية

وحتى الهواءُ ... وَحتى الترابُ ...

وحتى النجومُ بدتْ خابية

وحتى القلوبُ التى فى الصُدور ...

وحتى السوائمُ والماشيه!

***

حنانيكِ ... أين الشطوطُ الحسان ...

وأين الرياضُ .. وأين الخمائلْ!

تجاوبَ فيهن سَجعُ اليمام ..

وفاضَ عليهن شَدو البلابل

وأين المروجُ تدور السَواقى

عليها .. وتمرَحُ فيها الجداول

غدت كلها أثراً دارساً ..

تفيضُ عليه الدموعُ الهوامل!

***
وأين الوجوهُ التى قد عرفتُ ...

وأين رفاقُ الصِبا والشبابْ!

وأيام نرتَعُ فى عالَمٍ

ألِفْناهُ .. من أهلنا والصحاب

يُحيط بنا الأمن فى ظلِّه ...

ويغمُرنا دِفئُهُ المُستطاب

ونأوى إلى كنفٍ من حماه ...

فسيحِ الرحابِ ... عزيزِ الجناب

***
وأين كنوزْ الجَمال الأصيلِ ...

تَمَنَّعَ خلف سياجِ الفضيلةْ

وأومأ للعاشق المُستهام ..

بِفتنتِهِ السهلةِ المُستحيلة

سكبنا المدامع خلف الجمال ...

فما أنْصَفَتْنا الشفاهُ الجميلة!

ومازالَ فى القلب وقعُ النِصال ..

وقدْ سدَدَتْها العيونُ الكحيلة

***
وأين شيوخُ الحمىَ الأكرمون ...

ولاةُ الأمورِ .. كبارُ العزائمْ!

رأيتهمو فى ثيِابِ الوقارِ ...

وقد أشرَقَ النُبل طىَّ العمائم

تفيضُ نفوسُهمو بالإباء ...

وتَنْدى أكفُّهمو بالمكارم

هَوَتْ بَعدَهمُ شُرفات الديار ...

ومادَت قوائمُها والدعائم

***
فإن كنتِ يا جنَّتى قد مضيتِ ...

ولم يبقَ إلا الهوى والحنينْ..

فقد كنتِ حُلماً بدا فى المنام ..

وكنتُ أنا أعظمَ الحالمين!

وإن كنتِ أسعدتِنى بالوصال ..

وأشقيتِنى بالفراق الحزين ...

فإن الهوى فرحةُ العاشقين ..

وإن الهوى محنةُ العاشقين !

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق