الشاعر محمود توفيق: الحب ... والحزن

الحب ... والحزن

الحب ... والحزن

حين جاء الحُبُّ فى فَجرِ الصِبَا ..
كان للحُبِّ بَريقٌ .. وعبير
كان أبهى من أزاهير الرُبَى ..
كان أشجى من أغاريِد الطيور
كان البسمةِ فى وجَه الضُحى ..
كشُعاعٍ من سَنى البدر المنير
يَبعَثُ من مَرقَدِها
ويُداوى عِلَّةَ القلبِ الكسير !
...
غير أن الفجر ولَّى مُسرعاً ..
وتلاشى الحُلمُ فى وَهْجِ الحياهْ
واستحالَ الحُبُّ جُرحاً غائراً
وسؤالاً حائراً فوق الشفاه !
كيف يهوِى الحُبُّ من عَليائه ..
كيف يقضى وهو فى أوْجٍ قُواه !
كيف يأتى الحُزنُ فى أعقابه ..
حين يبكى القلبُ أحلامَ صباه !
...
ثم جاء الحُبُّ فى أوْجِ الشباب ..
كرياحِ الصيفِ ترمى بالهجيرْ
صاخباً كالموجِ فى ثورتِه ..
لافحاً كالنار .. مشيوبَ السعير
كم تلظَّى القلبُ فى وقدته ..
كم ترامى من مصيرٍ لمصير !
فى نضالٍ طائلٍ لا ينقضى
وصراعٍ بالغ العُنف مرير !
...
ثم ضاعت زهرةُ العُمر سُدَى ..
وتولَّى الحُبُّ إذ ولَّى الزمانْ ..
وخّبتْ فى القلب نيرانُ الجوى ..
غير آثار لهيبٍ .. ودُخان !
وغداً الحُبُّ رماداً خابياً
بعثرته الريحُ فى كل مكان
وكأن الامس أطلالٌ خَوَتْ ..
ورياضٌ أمحَلَتْ قبل الأَوان !
ويدور العُمرُ فى دورتِه ..
ويَعودُ الحُبُّ فى ظِلِّ المشيبْ
مثلما يرجِعُ طِفْلٌ ضائعٌ
لأَب المُضنى وللبيت الحبيب
أو كما ترجع أشواقُ الصِبا
بعد أن راحت .. وأخفاها المغيب
لِيَرِ فَّ الوردُ فى أكمامه
ويفيضَ الماءُ فى الصخرِ الجديب
...
غير أن القلبَ يُضنيه الهوى ..
كلما أوغلَ فى دربِ السنينْ
فهو لا يفتأُ يُشفيه الجوى ..
وهو لا ينفكُّ يُعييه الحنين !
حائراً ما بينَ إشراقِ المُنى ..
وظلامِ اليأسِ والشكِّ المُهين
فإذا الفَرحةُ يغشاها الأسى ..
وإذا بالقلبِ مكلومٌ حزين !
...
من يُقِيلُ الصَبَّ من عَثرَتِهِ ..
ويُداوى النفس من جُرح القضاءْ !
من يُجِيرُ القلبَ من حيرته
فى الهوى ... بين نعيمٍ وشقاء!
آه ما أحلاهُ فى نَشوَتِهِ ..
عندما تُزهِرُ أغصان الرجاء !
آه ماأقساهُ فى لوعته ..
عندما يَنزِفُ جُرحُ الكبرياء !
...
فى ظِلالِ الحُبِّ والحُزن معاً
قد مضى العُمرُ .. ولم يمضِ الحنينْ !
لا ... ولا خَفَّتْ تباريحُ الجوى ..
لا ... ولا كفَّتْ عن الدمع العيونْ !
ويَزيدُ الحبُّ من غُلوائِه..
ويَفيضُ الوجدُ بالقلب الحزين ..
ويهونُ العُمرُ .. لكنَّ الهوى
فى صميمِ القَلبِ باقٍ لا يهون !
...

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق