الشاعر محمود توفيق: ابن مصر

ابن مصر

ابن مصر

معذرةً يا صاحبى إذا تجاسر القلمْ ..
وانطلقَ اللسانُ بالبيانْ ..
فقد تفلقَمَ الجحود والنكران ..
وضاقَ صدرُ الشِعر بالكتمان ..
وانتفضَ الفؤاد بالأَلم ..
معذرةً ... فلستُ أقصد التظاهر ..
ولست أقصد التفاخر ..
ولا خداعَ النفسِ بالمنى ..
لكننى أردتُ أن أواجه التحامل ..
وقسوةَ التجاهل ..
وموجة التطاول ...
فجئتُ كى أقول : من أنا !
***
أنا ابن مصرَ الحُرّةِ الأَبيه ..
جوهرةِ التاريخ .. أسطورته السحرية ..
مصرَ الصبورةِ ... الجسورةِ ... القوية..
مصر العريقةِ..الرقيقةِ..الذكيه..
مصر التى فى نورها تَفتَّح الزمان ...
وأشرقَ العرفان ...
وأينعتْ حضارة الإِنسان !..
مصر التى إن أجدبَ الربيعُ لم تزلْ ..
ريحانةً..تضوعُ بالعبير والأَمل ..
وتبعثُ الحياةَ فى حجارة الجبل !
***
أنا ابن هذا النيل ...واهِبِ الحياه..
وقاهرِ الطغاه ..
وباعثِ الإِباء فى جوانح الأُباة ..
ومانح العطاشِ كأْسَ مائه الطهور ..
ومُطعمِ الجياعِ خُبزه على مدى العصور ..
من قلبه الجيَّاش تنبضُ الحياة فى دمى.
وينبعُ المضاء ..
وينبعُ الوفاء ..
وينبعُ العطاء والسخاء !
***
أنا ابنُ هذه الضِفافِ..والرياضِ..والقرى..
وابن الحقول ..
وابن النخيلِ الباسقات للذرى ..
وابن السهول ..
وابن الجذور الضاربات فى الثرى ..
وابن الأُصول !
***
أنا ابن هذا الشعب صانع الرخاء والثراء ..
ودافعِ الثمن !..
وزارع الحضارةِ الفيحاء ..
وحاصدِ المحن !..
أقاربى ما زال بعضهم حفاة ..
وبعضهم لايعرف القراءة ..
وبعضهم لم يركب القطارَ بعد ..
بكنهم على المدى يناضلون ..
يقاومون البأسَ بالأَمل ..
ويصبرون للشدائد ..
ويُكرمون الضيف مهما ساءت الأَحوال !
***
معذرة يا صاحبى .. فما أريد أن أطيل ..
لكننى أردت أن أقول ...
أنا ابن مصرٍ .. وكفى ..
وليس هذا - لو علمتَ - بالقليل !..
***