الشاعر محمود توفيق: العطر القديم

العطر القديم

العطر القديم

"الى ذكرى الفنان العظيم يوسف وهبى"


  
من للمؤرقَ والكليمْ .. وفؤادِه العانى السقيمْ !
ثَقُلتْ على النفس الهمومُ وأغلتْ فيها الكُلوم
أواهُ من وقع الخُطوب .. ووطأَة الزمن الأَليم !
يا يوسفٌ حُزنى عليك كحزن يعقوب الكظيم
أنَّى ذهبت فريحُ يوسفَ فى الجوانح لاتريم !
...
يبكيكَ مسرحُنا الكسيفُ بَعبرة الخِلِّ الحميمْ
من تحت غاشية الظلام وتحتَ غاشية الهموم
يبكى الممثلَ .. والمؤلف .. والمعلم .. والزعيم !
والكاهل الجبارَ يحمل وطاة العبءِ الجسيم
والفارس المغوار يقتحم المعاقل والتخوم !
...
يا للفتى الخالى يكابدُ وقدَة العشق العظيمْ !..
وغِوايةَ الفن الجميل .. وسحرَه الطاغى الصميم !
فيروحُ يضرب فى الحياة كثورة لا تستنيم
يأبى جوادُ العبقرية أن يروِّضه الشكيم
أو أن تُفيِّده السلامةَ أو يكبِّله النعيم !
...
يا ناصرَ العدلِ المهيض .. وطالب الحق الهضيم !
أبصرت أوحالَ الحياةِ بوجهها التَعِسِ الدميم
فجهرت بالقولِ الشجاعِ وجئت بالرأى الحكيم
فى دولةِ المُلكِ الغضوض .. وصولةِ الظُلمِ الغشوم !
وفتحتَ للقيمَّ النبيلةِ قلبَك العذب الرحيم
ووهبت فنك للضعيف .. وللفقير .. ولليتيم
ببديهة العقلِ الذكىَّ .. وفِطرةِ القلبِ السليم !
...
يا آخرَ الأَفذاذِ من جيل العمالقة العظيم !
من رافعى راياتِ مصرٍ فوق هامات النجوم
من قاهرى العقباتِ فى ليلِ المكابدةِ المقيم
من فاتحى سُبُلِ الحياة بعزمة السيف القويم
فى الفن .. فى الآداب .. فى شتى المعارف والعلوم
ولَّى زمانُ الفاتحين وخيَّمَ الزمن العقيم !
لم يبق من زمن الصعودِ سوى شذى العطرِ القديم !
...
يا صاحب الذوق الرفيع .. وصاحب الخلق الكريمْ
من ليس يسأَمُهُ الجليس ولا يضيق به النديم
رحلَ المثقفُ .. والمهذَّبُ .. والمُحدِّث .. والعليم !
كالجدول الرقراق منسكباً .. وكالغيث العميم
يا لوعةَ الحزن المقيم .. ولهفة القلب الكليم
هل أطبق الثغر الفصيحُ وأمسك الصوت الرخيم
أم صوَّح الوردُ الندِّىُ وأجدبَ الروضَ النظيم !