الشاعر محمود توفيق: لقاء الأحرار

لقاء الأحرار

لقاء الأحرار

أهو الربيع يُطل فوق ربوعت
أم ذاك وجهُك كله أضواءُ ؟
أهلا بداعيةِ السلام ومرحباً
سعدت بركبك أرضنا الخضراءُ
لم يأْتِ ركبك فى الغزاةِ وإِنما
تحدو الركاب صداقةٌ وإخاء
حفِلت بمقدمك الجموعُ فأقبلتْ
يسعى بها نحو اللقاءِ رجاء
ومضى إليك "جمال" فى ترحابه
وجبينه متهلل وضاءُ
تتعانقان وفى القلوب مَوَدَّة
وعلى الوجوه بشاشةٌ وصفاء
جمعتكما-رغم الحدود-مواقعٌ
ومواقفٌ يزهو بها الشرفاءُ
وصداقةٌ عَزَّتْ على حُسَّادِها
فتشككوا فى أمرها ماشاءوا !
وأخوَّةُ الثوَّار مهما باعدتْ
فى الأرض من أوطانهم أرجاء
***
أقبلت من أقصى الشمالِ وأقبَلتْ
ريح الشمال تهبُّ فهى رُخَاءُ
من أرض "تولستوى" .. من أحلامِه
من عالمٍ غنَّى به الشعراء
من دولةٍ للكادحين أساسُها
عدلٌ .. وسادةُ أمرها الفقراء!
ولدت فزلزت العروشِ وأرَّقتْ
ليلَ الطغاةِ نجومُها الحمراءُ
وضَعَ الأساسَ لها..وشيدَ ركنها
"لينينُ".. فهى القلعةُ الشمَّاءُ
فتَحتْ طريق الثائرين وفجَّرتْ
عصر الشعوب .. فليلُها أضواءَ !
***
عرفتكَ أمتنا الوفيةُ قبل أن
تشْهد خُطاك وأن يحين لقاء
.. فى طائرات "الميج" فوق سحابنا
تزهو بهنَّ سماؤنا الزرقاء
..فى صوت شعبك وهو يعلو منذراً
فى بورسعيدَ وقد أتى الدخلاء
..فى القمحِ يخترق الحصارَ لشعبنا
حيث الحصارُ خديعةٌ نكراء
..فى روعة "البولشوى" ينفثُ سحره
وقلوبُنا بين الضلوع ظِماء
وبهاءِ "مايا" لم يضارع فنها
فنٌ.. ولا بلغَ الرواءَ رواءُ!
عرَفتْك فى الجرار تحفظُ وقعَهُ
صحراؤُنا .. رمالُها الصفراء
.. فى العاملين إلى جوار رجالنا
فى "السدِّ" لم تُسمعْ لهم ضوضاء
تركوا المواطن والديارَ وأقبلوا
يسعى بهم نحو البناءِ نداءُ
ولربما افتقدوا الثلوجَ وحولهم
لفحُ الهجير وتحتهم رمضاء
فتحاملوا فوق الصعاب وأغرقوا
فى الكدِّ.. لا ضجر ولا إعياء !
***
ماذا يعابُ عليك حين تلاحَقَت
من حولك الأَصوات .. والأصداءُ
ألأنك استهلمت أنبل غاية
عند الشعوبِ تروعها البغضاءُ
فمضيتَ تدعو للسلام مجاهداً
حيثُ السلامُ تُحيطه الأَهواء
ألذاكَ يرتفعُ الضجيجُ وتختفى
تحت الضجيج مزاعم جوافاءُ !
كلا .. وحق المخلصين جميعهم
فى الأَرض .. حيث تواجَدَ البسطاء
كلا .. وحقِ الواثقين بنصرهم
إِن النضالَ عقيدةٌ .. وبناءُ
تهوى الصروح وإِن علت أركانها
بالهادمين .. ويصعَدُ البنَّاء !
***
أقبلت والتاريخُ ينشرُ صفحة
من مجدِنا .. أطرافها العلياء
والنبل ترقبه العيونُ وتجتلى
سرَّ البطولة حوله الرقباءُ !
ومهذب سمح الطبيعةِ هادئ
شأْن اقوىِّ شعاره الإِغضاء
يرجو سماحته العطاشُ ويرتوى
من فيضِهِ الأَحبابَ والأَعداءُ
شملت عذوبته البقاع فأَزهرتْ
فى ضفتيه الجَّنةُ الفيحاء -
فعلى الضفاف حضارةٌ .. وعلى المروج
نضارةٌ .. وعلى الحقول نماءُ
وهبتْ له "إِيزيسُ" ساكب دمعها
حُباً تفيضُ بذكره الأَنباء
مازال يجرى بالحياة وحوله
تجرى الحياةُ .. ويرتعُ الأَحياء
حتى إذا فرغتْ صبرِه
وتملكته الثورةُ الهوجاء ..
ثارتْ بثورته الطبيعيةُ كلُّها
وتفجرت من قبلها البُرحَاء
ينهار من جَبَروتِه جنباته
فإِذا الجسورُ الراسخاتُ هباءُ
عرفتْ به الأَجيالُ ساخِرَ حظِّها
فالفضلُ نُعمى .. والفضول شقاء !
***
فى عهد "مينا" لم يُطِّوعْ عزمه
عزمٌ .. ولا غلب المضاءَ مضاء
حتى تخلتْ عن أغلالها
وأظلَّها للثائرين لواءُ
ولدتْ "جمال" وأرضعته غرامَها
فغرامُها فى قلبه مَشَّاء
فمضى يقود إلى الخلاص مَصيرها
ولكم تُحرِرُ أمَّها الأَبناءُ !
***
ضَم الصفوفَ وردّ عادية العِدا
فنفوسُهم من غِلِّها سوداء
وسعى إلى أركانِها فأقامها
فبكلِّ ركنٍ ثورةٌ .. وبناءُ
بمشى على أرجائها .. ووراءه
يمشى الربيعُ .. فخَطوُه إِحياء !
***
لم يعترفْ بالمستحيل فعندهُ
رأىٌ يضىءُ .. وهِمةٌ عصماء
وجموعُ شعبٍ لا تلين قناتُه
أمجادُه .. آياته الغرَّاء
نادى فلَّبته الجموعُ فأُشرعتْ
نحو البناءِ الأَذرُعُ السمراء
فمضى إلى النيل العظيم محوِّلا
مجراه .. حيث نريدُه ونشاءُ