الشاعر محمود توفيق: مصر فى المخاض

مصر فى المخاض

مصر فى المخاض

لا تُراعى يا ابنتى .. لا تحزنى
عندما تهبط أستارُ الضبابْ
ويَغيمُ النورُ فى أبصارنا
وتصُكُّ السَمع أصداءُ العذاب
لا تُراعى إن عَلَتْ فى أرضنا
ضجةُ اليومِ .. وصيحاتُ الذئاب
أو بَدَتْ ترقص فى ساحاتنا
وحشةْ الموت .. وأشباح الخراب.
***
مصرُ م زالتْ بخيرٍ..لم تمُتْ..
مصر لم تيأسْ..ولم تُلق السلاحْ
إننى أعرفها..أبصرها..
مثلما أُبصرُ أنوار الصباح
إننى أفهمها..أسمعها..
مثلما أسمع أنّاتِ الرياح
إننى أقرأُها..أحفظها..
مثلما أحَفظُ آلام الجراح!
***
مصرُ لم تعكُفْ على مأْساتها..
مصر لا تبكى على أحزانها
مصرُ فى قلب مخاضٍ هائل..
يبعث المكنون فى وجدانها
مصرُ تستشرف صبحاً رائعاً
ينفضُ الأَوهامَ عن أجفانها
مصرُ تستقبلُ يوماً فاصلاً
يبعثُ الأموات من أكفانها!
***
مصرُ لم تركعْ..ولم تُحنِ الجبين..
مصر لم تخضعْ لسلطان الخيانه
طالما فى مصرَ مِن أبنائها
مَنْ أبَى السير على درب المهانة
طالما فى مصر فردٌ واحدٌ
يقبلُ الموتَ ولا يَخلى مكانه
طالما فى مصر حُرُّ واحدٌ
وطَّدَ العزم على رفض الإهانة
***
مصرُ لا تلبَثُ إلا أن تعودْ
حُرَّةً..مرفوعة الرأس..أبيَهْ
تتحلَّى بملايين الورودْ..
تتزياً بالثياب العربيه
تتغّنى للتحدى والصمود..
وتُزيحُ العارَ بالكف القَوية
تتجلَّى تحت أبصار الوجود..
فى سنا المجد..ووشى العبقرية!
***
نحن أكَّدنا لها عودتها
وسقينا العهدَ من أيامِنا
نحن أعددنا لها عُدَّتها
ورَصَفْنا الدربَ من آلامنا
نحن أوقدنا لها جَذوتها
وشببنا النارَ من أحلامنا
نحنُ شيّدنا لها قلعتها
ونشرنا الفجرَ من أعلامنا
***
لا تُراعى يا ابنّتى إِن عَربَدوا
أو غدَتْ للزيْفِ أبواقٌ جهيرة
يعلَمَ الكذَّابُ فى أعماقه
أن عمر الزيْفِ أيامٌ قصيره
وثيابَ الزَيْفِ مهما زُيِّنتْ
فهى فى الوا قع أسمالٌ حقيره
وحِبَال الزور مهما جُدِلَتْ
فهمى لا تنفكُ أشتاتاً صغيره
***
لا تراعِى يا ابنتى إن هدَّدُوا..
نحنُ لا نخضعُ إلا للحقائقْ
نحن لا نَرهبُ أعماقَ السجونْ..
نحنُ لا نرهبُ أعوادَ المشانق
نحن لا نفزع من ريحِ المنونْ
نحنُ لا نجزعُ من وهجِ الحرائق
نحن أقوى من جميع الظالمين..
نحن أمضى من ملايين البنادق
***
مصرُ حُبِّى..لوعتى..ظالمى
فتنة الشَّيب..وينبوع الشبابْ
وقليلٌ فى هواها شِقوتى
وقليلُ ما ألاقى من عَذاب
مصر أنشودةُ عمرى كلِّه
وشجى روحى..ووجدانى المُذابْ
وهى نارى..جنّى..آخرتى
ونصيبى من ثوابٍ أو عقابْ
***
لا تُراعى يا ابنتى..لا تحزنى..
نحن نرعى مَوْلدَ الفجر الجديدْ
فإذا انداحت على آفاقِنا
ظلماتُ الليل ترمى بالوعيد
وإذا هَّبتْ علينا شِقوةُ
أو تعالى فوقنا قصفُ الرعود
فاغْرسى كعبيك فى هذا الثرى
وارفعى رأسَكِ للأُفْقٍ البعيد.
***